الجمعة، 1 أكتوبر 2010

مــرضـة وشدة وجعه صلى الله عليه وسلم






 بداية المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم وسببه:
كان سبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم مؤامرة اليهودية حين دست له السم في طعامه صلى الله عليه وسلم الذي دعته إليه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وأكل القوم فقال: ((ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة))، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ((مازلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهَري))
 أبو داود (4512)].
قال في النّهاية: "الأبهر عرق في الظّهر وهما أبهران, وقيل: هما الأكحلان اللّذان في الذّراعين, وقيل: هو عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة" [انظر: عون المعبود (21/151)].
وفي الحديث أن أم مبشِّر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما تتَّهِم بنفسك؟ فإني لا أتهم إلا الطعام الذي أكَلَ معك بخيبر، وكان ابنها مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((وأنا لا أتهم غيره، هذا أوان قطع أبهري)) [أحمد ح33415].
 فجمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بين الشهادة على يد قتلة الأنبياء من اليهود وهي أكرم الميتات،
 وبين المرض والحمى وفيهما ما فيهما من رفع الدرجات.
وأما أول معالم عود المرض إليه صلى الله عليه وسلم فكان بعد رجوعه من دفن أحد أصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، قال: ((بل أنا وا رأساه)) قال: ((ما ضرَّكِ لو متِّ قبلي فغسلتُك وكفنتُك ثم صليتُ عليك ودفنتك))، قلت: لكني ـ أو لكأني ـ بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعتَ إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بُدئ بوجعه الذي مات فيه. [أحمد (25380)، وابن ماجه (1465)].



 تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين الموت والخلد
عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي))، فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى))، قال: ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة)) قال: قلت: بأبي وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: ((لا ـ والله ـ يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل والجنة))،
ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبُدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قضاه الله عز وجل فيه حين أصبح. [أحمد ( 15567)، الدارمي (78)].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: ((إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله))، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا.
 البخاري (3654)، مسلم (2382)].
وتقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: ((إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخيَّر))، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: ((اللهم في الرفيق الأعلى))، فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح. [البخاري (4437)].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من نبي يمرض إلا خيِّر بين الدنيا والآخرة))، وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } [النساء:69]، فعلمت أنه خير.[البخاري (4586)، ومسلم (2444)]
واختلف العلماء في مراده صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى على أقوال، فقيل : الله عز وجل، وقيل: ملائكته،
وقيل: أنبياؤه، وقيل: الجنة، ولكل منها دليل.
قال ابن حجر: "قال الجوهريّ: الرّفيق الأعلى الجنّة، ويؤيّده ما وقع عند أبي إسحاق: الرّفيق الأعلى الجنّة, وقيل: بل الرّفيق هنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه، والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية، وقد ختمت بقوله: {وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}... وزعم بعض المغاربة أنّه يحتمل أن يراد بالرّفيق الأعلى اللّه عزّ وجلّ لأنّه من أسمائه، كما أخرج أبو داود من حديث عبد اللّه بن مغفّل رفعه: ((إنّ اللّه رفيق يحبّ الرّفق)) كذا اقتصر عليه, والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى. قال: والرّفيق يحتمل أن يكون صفة ذات كالحكيم, أو صفة فعل. قال: ويحتمل أن يراد به حضرة القدس, ويحتمل أن يراد به الجماعة المذكورون في آية النّساء، ومعنى كونهم رفيقًا تعاونهم على طاعة اللّه وارتفاق بعضهم ببعضٍ, وهذا الثّالث هو المعتمد، وعليه اقتصر أكثر الشّرّاح" [فتح الباري (8/137)].
وأما دليل من قال بأن المقصود هم الملائكة فهو قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن حبّان: ((أسأل اللّه الرّفيق الأعلى الأسعد, مع جبريل وميكائيل وإسرافيل)) [ابن حبان (14/555)]، وظاهره أنّ الرّفيق المكان الّذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين.



 مرض النبي صلى الله عليه وسلم
بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول،
 وقد نُقل إلينا بعض أخباره وأحواله صلى الله عليه وسلم في مرضه:
من أحواله صلى الله عليه وسلم قبل اشتداد المرض:
قالت عائشة: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخطُّ رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكانت عائشة رضي الله عنها تحدِّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه: ((هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس))، وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج إلى الناس. [البخاري (198)، ومسلم (418)].
قال ابن حجر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سبع قرب)): "قال الخطّابيّ: يشبه أن يكون خصّ السّبع تبرّكًا بهذا العدد; لأنّ له دخولاً في كثير من أمور الشّريعة وأصل الخلقة. وفي رواية للطّبرانيّ في هذا الحديث: ((من آبار شتّى))، والظّاهر أنّ ذلك للتّداوي لقوله في رواية أخرى في الصّحيح: ((لعلّي أستريح فأعهد)) أي: أوصي".
[فتح الباري (1/303)].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبٌ رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر)).
وقالت عائشة رضي الله عنها: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس))، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: ((إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس))، فخرج أبو بكر فصلى، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم. [البخاري (664)، مسلم (418)].
وعن أنس بن مالك قال لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يُقدَر عليه حتى مات. [البخاري (681)، مسلم (419)].
وعن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: ((أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)) حرصاً على بيت عائشة، قالت عائشة: فلما كان يومي سكن. [البخاري ح3774].
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
 البخاري (4439)، مسلم (2192)].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُضِر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده))، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا، يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا عني)). قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. [البخاري (114)، مسلم (1637)].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال: ((لا تلدوني)) فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ((لا يبقى أحد منكم إلا لُد غير العباس فإنه لم يشهدكم)) [البخاري (4458)،
مسلم (2313)].
قال ابن حجر: "قوله: ((لددناه)) أي: جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره, وهذا هو اللّدود. وفي قوله: ((فجعل يشير إلينا أن لا تلدّوني)), فقلنا: كراهية المريض للدّواء، وإنّما أنكر التّداوي لأنّه كان غير ملائم لدائه,
لأنّهم ظنّوا أنّ به ذات الجنب، فداووه بما يلائمها, ولم يكن به ذلك" [فتح الباري (8/147)].



شدة وجعه صلى الله عليه وسلم
قالت عائشة: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري (5646)، مسلم (2570)].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً‍! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم))، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) [البخاري (5648)، مسلم (2571)].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ويمسح وجهه بالماء وهو يقول: ((اللهم أعني على سكرات الموت))
  أحمد (23835)، والترمذي (978)، وابن ماجه (1623)].
وعن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة: وا كرب أباه، فقال لها: ((ليس على أبيك كرب بعد اليوم)) [البخاري (2644)].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن أمه أم الفضل قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
 هو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ بالمرسلات قالت: فما صلاها بعد حتى لقي الله.
 البخاري (4429)، مسلم (462)].


مدة مرضه صلى الله عليه وسلم
قال ابن حجر: "اختُلف أيضاً في مدة مرضه عليه السلام، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً، وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه... وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح".
[فتح الباري (7/736)].



ليست هناك تعليقات: